حادثة ظهور المسيح فى مجده على جبل التجلى أمام عيون تلاميذه بطرس ويوحنا ويعقوب أخُاه , من الاحداث العجيبة حقآ والمملؤة أسرار !
وقد نقراءها فى الاناجيل ونمر عليها بدون أن نفهم منها شيئ كما حدث تمامآ مع التلاميذ الثلاثة والذيين عاينوا التجلي آ , ورغم ذلك لم يكتشفوا أسرار التجلي .
الا بعد قيامة المسيح وإنفتاح الوعى الروحى لهم بحلول الروح القدس عليهم , .
أنها حادثة فريدة ومهمة جدآ لكل أنسان ساعى لملكوت السموات . ويهمه المسيح كحياة له , .
هذه الحادثة كانت ولا تزال موضوع بحث ونقد من علماء الكتاب المقدس , ولقد أنقسم العلماء الى فرق , كل فريق له رأى يخالف الاخر ويلغى رأى الاخر ,.
فمن العلماء من أعتبر حادثة التجلى نظرة تصوفية مثل:
أدوارد ماير Ed. Meyer,Vr sprungund
Anfange Des christentvmsi ,pp. 152_156
وهارناك:
Harnack , sit2 ungsberichteder
preussinen Akademieder Wissenschaften
(1922 pp. 62_80)
وفريق أعتبارها قصة عن القيامة ونقلت ووضعت فى حياة المسيح مثل لهاوزن ولوزى ......وغيرهم .
وفريق آخر أعتبرها رؤية واقعية حدثت كحقبقة تاريخية وكخبرة صادقة وأول من تزعم ذلك هو العالم أوريجانوس وشاركه الرآى حديثآ العالم سويت وغيرهم .
ويظهر بوضوح أن حادثة التجلى يلفها أسرار الهية حيرت عقول العلماء ومنهم من أخضعها تحت قدرات عقله المحدودة وبالتالى جعلها قصة رمزية !
ولكن نحن لا نبحث فى الانجيل بروح العلماء , وبقدرات العقل ونضع الانجيل تحت النقد العقلى ! بل ننحنى بعقولنا ونفوسنا تحت قوة ونور روح الله القدوس ليعلن لنا اسرار الانجيل
وحوادث الانجيل وخاصآ هذه الحادثة الهامة جدآ لحياتنا ومستقبلنا الابدى , وما علينا سوى التسبيح والشكر وتقديم المجد المستمر لروح الله القدوس الذى يهبنا غني مجده
ويكشف لنا كنوز النعمة المختفى وراء سطور وكلمات الكتاب المقدس .
(وبعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم.وتغيّرت هيئته قدامهم
مر 9 : 2)
بعد ستة أيام :
____________________________
هذا هو مفتاح الدخول لفهم حادثة التجلى بصورة صحيحة , وكما قصدها الله وحسب تقليد انجيل القديس الحبيب مرقص الرسول الانجيلى البشير.
بعد ستة أيام من أى شيئ ؟
_____________________
لفهم المقصود بذلك ضرورى نرجع الى الاية 31 الاصحاح الثامن مر 8 : 31
[color=red](وابتدأ يعلّمهم ان ابن الانسان ينبغي ان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل.وبعد ثلاثة ايام يقوم
مر 8 : 31)
هنا أول مرة يعلن المسيح يسوع لتلاميذه عن ما سوف يحدث له وعن صليبه وموته ثم قيامته ,ولقد حدثت صدمة قوية جدآ للتلاميذ بمجرد سماعهم لهذا الكلام .
بل رفض عقلهم هذا الكلام تمامآ , حتى أن القديس بطرس وهو كبير التلاميذ أخذ يسوع على جنب !! وقال له حاشاك ! أى لا قدر الله ذلك , انت الملك المنتظر ليخلصنا ويقضى على مملكة الرومان
ويرفع بنى اسرائيل فوق كل ممالك العالم كيف يتألم أو يهان أو لاقدر الله يصلب ؟!
هنا القديس بطرس لازال فكره متفق مع فكر الكتبة والفريسيين عن المسيا المنتظر وهذا الفكر قد رفضه المسيح بشدة , بل أعتبره هو أنحراف بالفكر عن حقيقة المسيا كما أعتبره المسيح انحراف بغواية وتشويش من الشيطان , ولذلك انتهر بطرس بشدة قائلآ:
[color="red"](اذهب عني يا شيطان.لانك لا تهتم بما لله لكن بما للناس مر 8 : 33)[/COLOR
وهكذا كشف ووضح المسيح مفهوم وحقيقة المسيا وأنه ليس كما انحرف فكر الكتبة وبغواية الشيطان ليخدم مصالحهم الشخصية وشهواتهم ليجعلوا من المسيا الروحى مسيا سياسى
ويخلصهم من سلطان الرومان ولكى يعطى لهم سلطان ارضى وشهوات مادية .
وهذه أول مرة يعلن لهم المسيح أن المسيا سوف يخلص البشرية بموته وصليبه ثم يقوم ويهب الحياة الدائمة للبشرية .ثم أعلن لهم سر عجيب جدآ اذ قال لهم :
(الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة مر 9 : 1)[/COLOR
وهذا هو مفتاح فهم حادثة التجلى اذ بعد ستة أيام من أعلان المسيح لتلاميذ للحقيقة الجديدة وهى موت وصلب المسيا ورفضه من الكتبة والفريسيين ثم قيامته فى اليوم الثالث .
اذ بعد ستة أيام من هذا الكلام وهذا الوعد نجد أنه :
(اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم.وتغيّرت هيئته قدامهم مر 9 : 2)
وواضح أن المسيح قال من القيام ههنا قومآ لا يذقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة ومجد وتجلي !! وهذا فعلآ ما حدث فهو كان يقصد يوحنا وبطرس ويعقوب لانهم بالفعل شاهدوا
بالعيان جانب من مجد المسيح الذى كان قد أخفاه بارادته عن عيون البشر لكى يتمم الخلاص.
وتأتى حادثة التجلى هذه بعد أعلان المسيح عن صليبه والامه وقبل حادثة الصليب العلانية فهى كانت ضرورية جدآ لكى تساعد التلاميذ على قبول شكل المسيا المتألم المهان بصورة
مظهرها الضعف الشديد وهذا ما يحدث غالبآ صدمة للعقل البشرى ! المحدود . وهكذا جاءت حادثة التجلى لكى تساعدهم فى قبول المسيا بصورة الحقيقية وليس بالصورة المزيفة التى نادى بها الكتبة والفريسيين
ولكى تظل حقيقة التجلى هذه هى الخلفية التى ينظرون بها الصليب وموت المسيح عليه .
(وتغيّرت هيئته قدامهم 3 وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا كالثلج لا يقدر قصّار على الارض ان يبيض مثل ذلك
مر 9 : 3)
الحقيقة العجيبة أن المسيح لم يتجلى لانه فى حالة تجلى مستمر ! لا يمكن أن تنتهى أو تتغير , ولكن الذى تجلى هو أعين التلاميذ _ تجلت لكى ترى مجد المسيح والذى قد أخفاه عن أعين البشر لفترة حتى يكمل الخلاص.
فهو الذى قال:
أن أمنت ترين مجد الله يو 11 : 40
فالذى يؤمن إيمان صادق من قلب مخلص لابد أن يرى مجد الله , ولقد أنطبعت صورة المسيح الممجد هذه فى ذاكرة وقلب هؤلاء التلاميذ , وكان لها أثر قوى فى حياتهم .
فربما هى التى حفظت القديس بطرس من السقوط فى اليأس عند أنكاره للمسيح وجعلته يشعر بحجم الخسارة الكبيرة وبالتالى يعود بسرعة ويتوب ويندم على أنكار المسيح , فظلت صورة المسيح الممجد
فى ذهنه وقلبه أنظر كلامه وأنطباعه وفخره :
(لاننا لم نتبع خرافات مصنعة اذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته. 17 لانه اخذ من الله الآب كرامة ومجدا اذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الاسنى هذا هو ابني الحبيب الذي انا سررت به. 18 ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء اذ كنا معه في الجبل المقدس.2بط 1 : 16 _ 18)
والقديس يوحنا الحبيب صاحب مناظر المجد والرؤيا السماوية كانت حادثة التجلي فى داخله العمر كله , وكانت هى القوة والدافع الى التعمق فى حب المسيح وبلوغ أعماق من الحب تتخطي كل معايير القياس العادية أنظر ما يقول :
(رأينا مجده مجآ كما لوحيد من الاب مملؤآ نعمة وحقآ يو 1 : 14)
كما دفعت صورة المسيح الممجد فى ذهن وقلب القديس يعقوب أن قبل الاستشهاد من أجل المسيح بفرح وسرور !
ولعل مفردات اللغة كانت قاصرة فى وصف شكل وهيئة المسيح فى التجلى , ولكن هذا أقصى ما يملك الانسان من تعبير وأظن أن اللغة باتت عاجزة عن وصف مجد المسيح الذى ظهر لعيون التلاميذ
على جبل التجلى المقدس.
(وظهر لهم أيليا مع موسى _ وكانا يتكلمان مع يسوع مر 9 : 4)
هنا قد تحققت الاشارة الهامة والعلامة التى نادى بها الكتبة والفريسيين , فلقد حددوا شرط ظهور المسيا بظهور أيليا واليوم قد ظهر أيليا ولكن فى صورة ممجده وسرية وأمام أعين ثلاث شهود كحد أقصى
لاعتماد الشهادة حسب الناموس !!!كذلك ظهر معهم موسي ليعلن أمام المسيا أن ناموسه عاجزآ عن أنقاذ حياة الانسان من الموت والهلاك .
ففى هذا اليوم بطل وانتهى الناموس اذ سلمه موسى ليسوع المسيح ليكمله ويصنع ما كان عاجز عن صنعه الناموس , ولما رأى القديس بطرس هذه الرؤية العجيبة والتى كان يترقبها كل العالم القديم
وهو ظهور أيليا كعلامة لظهور المسيا صرخ على الفور وقال :
"جيد أن نكون ههنا , فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموس واحدة ولايليا واحدة " مر 9 : 5
الرؤية أخذت قلب القديس بطرس _ شعر بالنشوة الروحية _ فالناموس والانبياء أجتمعوا معآ ..فالانبياء فى شخص أيليا النبي والناموس فى شخص موسي ! وها هما مع المسيا يسوع المسيح يسلموا له كل شيئ . حيث أن الانبياء والناموس كلهم كانوا لكى يصلوا الى ظهور المسيا .
وها هو المسيا ظهر فى مجده العجيب والذى خطف قلب وروح القديسيين بطرس ويوحنا ويعقوب وربما الذى تكلم فقط هو القديس بطرس أما القديسين يعقوب ويوحنا أظن أنهما , أكتفوا بالتسبيح والشكر مقابل هذه الرؤية العجيبة .
فما كان من القديس بطرس الا قال لنصنع ثلاث مظال وهى خيمة ويقصد بها خيمة للعبادة حسب طقس اليهود والناموس !!
ولكن عبادة المظال وطقوس الناموس قد أنتهت تمامآ بظهور المسيا , والذى نقل الانسان الى العبادة بالروح والحق ولذلك اسرعت الطبيعة لترد على القديس بطرس !!
فجاءت سحابة وظللتهم وهذا "
" لانه لم يكن يعلم ما يتكلم به اذ كانوا مرتعبين " مر 9 : 6
فكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلآ هذا هو ابنى الحبيب له اسمعوا : مر9 : 7
هنا قمة الاستعلان الالهى لشخصية المسيا وأظهار الرفعة والارتقاء فى العلاقة مع الله التى صارت بظهور مسيا الدهور , فها هو موسي حاضر وها هو الله الاب من السحابة والتى تعبر فى مفردات لغة
الانسان بالحضرة الالهية , وهو يقول نفس ذات الكلام الذى قاله على لسان موسي فى القديم وتحقق حالآ بالعيان أما عيون التلاميذ ففى القديم قال :
(اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به 19 ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه.تث 18 : 18 _ 19)
ولهذا جاء صوت الله الاب يعلن تحقق هذه النبؤة العجيبة وفى حضور موسى , ويؤكد على السماع له لانه هو الذى يعلن عن الله بالحق . وعلى هذا وبظهور المسيا واستعلانه بهذه الصورة الواضحة , وبعد ظهور أيليا وبعد تحقيق نبؤة موسى أنتهت الاحداث كلها والناموس كله كما أنتهى القصد من التجلى ولهذا :
" نظروا حولهم بغتة ولم يروا أحد غير يسوع وحده معهم " مر 9 : 8
نعم لم يعد الان غير يسوع انتهت نبؤات جميع الانبياء بظهور يسوع , وانتهى ناموس موسى بكل التشريعات والطقوس بظهور يسوع , لم يعد الان غير يسوع وحده هو الذى يعلن عن الله بالحق .
هو وحده فقط كل من ينظر اليه يخلصه ويهبه الحياة , كل من يرفع نظرة يجده وحده واقف يطلبه ويفتح له الاحضان.
هو هو محور كل التاريخ ومنقذ حياة الانسان من الموت والفساد , كل من يتعلق به وبشخصه لابد أن ينجيه وينقذه ويعطيه حياة أبدية . ولكن من يعود للخلف ويتعلق مرة أخرى بمظاهر العبادة أو ناموس موس فى العبادة ويتجاهل ظهور المسيا المخلص قطعآ سوف يتوه ومستحيل يرى الحياة .
لان موسى نفسه لم يستطيع أن يدخل أرض الموعد ولكن نظرها من بعيد !! أما من هم صاروا فى المسيح والمسيح فيهم لابد أن يتذوقوا طعم الحياة وقوات الدهر الاتى ,لانه هو هو وحده الطريق والحق والحياة .
وقد نقراءها فى الاناجيل ونمر عليها بدون أن نفهم منها شيئ كما حدث تمامآ مع التلاميذ الثلاثة والذيين عاينوا التجلي آ , ورغم ذلك لم يكتشفوا أسرار التجلي .
الا بعد قيامة المسيح وإنفتاح الوعى الروحى لهم بحلول الروح القدس عليهم , .
أنها حادثة فريدة ومهمة جدآ لكل أنسان ساعى لملكوت السموات . ويهمه المسيح كحياة له , .
هذه الحادثة كانت ولا تزال موضوع بحث ونقد من علماء الكتاب المقدس , ولقد أنقسم العلماء الى فرق , كل فريق له رأى يخالف الاخر ويلغى رأى الاخر ,.
فمن العلماء من أعتبر حادثة التجلى نظرة تصوفية مثل:
أدوارد ماير Ed. Meyer,Vr sprungund
Anfange Des christentvmsi ,pp. 152_156
وهارناك:
Harnack , sit2 ungsberichteder
preussinen Akademieder Wissenschaften
(1922 pp. 62_80)
وفريق أعتبارها قصة عن القيامة ونقلت ووضعت فى حياة المسيح مثل لهاوزن ولوزى ......وغيرهم .
وفريق آخر أعتبرها رؤية واقعية حدثت كحقبقة تاريخية وكخبرة صادقة وأول من تزعم ذلك هو العالم أوريجانوس وشاركه الرآى حديثآ العالم سويت وغيرهم .
ويظهر بوضوح أن حادثة التجلى يلفها أسرار الهية حيرت عقول العلماء ومنهم من أخضعها تحت قدرات عقله المحدودة وبالتالى جعلها قصة رمزية !
ولكن نحن لا نبحث فى الانجيل بروح العلماء , وبقدرات العقل ونضع الانجيل تحت النقد العقلى ! بل ننحنى بعقولنا ونفوسنا تحت قوة ونور روح الله القدوس ليعلن لنا اسرار الانجيل
وحوادث الانجيل وخاصآ هذه الحادثة الهامة جدآ لحياتنا ومستقبلنا الابدى , وما علينا سوى التسبيح والشكر وتقديم المجد المستمر لروح الله القدوس الذى يهبنا غني مجده
ويكشف لنا كنوز النعمة المختفى وراء سطور وكلمات الكتاب المقدس .
(وبعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم.وتغيّرت هيئته قدامهم
مر 9 : 2)
بعد ستة أيام :
____________________________
هذا هو مفتاح الدخول لفهم حادثة التجلى بصورة صحيحة , وكما قصدها الله وحسب تقليد انجيل القديس الحبيب مرقص الرسول الانجيلى البشير.
بعد ستة أيام من أى شيئ ؟
_____________________
لفهم المقصود بذلك ضرورى نرجع الى الاية 31 الاصحاح الثامن مر 8 : 31
[color=red](وابتدأ يعلّمهم ان ابن الانسان ينبغي ان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل.وبعد ثلاثة ايام يقوم
مر 8 : 31)
هنا أول مرة يعلن المسيح يسوع لتلاميذه عن ما سوف يحدث له وعن صليبه وموته ثم قيامته ,ولقد حدثت صدمة قوية جدآ للتلاميذ بمجرد سماعهم لهذا الكلام .
بل رفض عقلهم هذا الكلام تمامآ , حتى أن القديس بطرس وهو كبير التلاميذ أخذ يسوع على جنب !! وقال له حاشاك ! أى لا قدر الله ذلك , انت الملك المنتظر ليخلصنا ويقضى على مملكة الرومان
ويرفع بنى اسرائيل فوق كل ممالك العالم كيف يتألم أو يهان أو لاقدر الله يصلب ؟!
هنا القديس بطرس لازال فكره متفق مع فكر الكتبة والفريسيين عن المسيا المنتظر وهذا الفكر قد رفضه المسيح بشدة , بل أعتبره هو أنحراف بالفكر عن حقيقة المسيا كما أعتبره المسيح انحراف بغواية وتشويش من الشيطان , ولذلك انتهر بطرس بشدة قائلآ:
[color="red"](اذهب عني يا شيطان.لانك لا تهتم بما لله لكن بما للناس مر 8 : 33)[/COLOR
وهكذا كشف ووضح المسيح مفهوم وحقيقة المسيا وأنه ليس كما انحرف فكر الكتبة وبغواية الشيطان ليخدم مصالحهم الشخصية وشهواتهم ليجعلوا من المسيا الروحى مسيا سياسى
ويخلصهم من سلطان الرومان ولكى يعطى لهم سلطان ارضى وشهوات مادية .
وهذه أول مرة يعلن لهم المسيح أن المسيا سوف يخلص البشرية بموته وصليبه ثم يقوم ويهب الحياة الدائمة للبشرية .ثم أعلن لهم سر عجيب جدآ اذ قال لهم :
(الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة مر 9 : 1)[/COLOR
وهذا هو مفتاح فهم حادثة التجلى اذ بعد ستة أيام من أعلان المسيح لتلاميذ للحقيقة الجديدة وهى موت وصلب المسيا ورفضه من الكتبة والفريسيين ثم قيامته فى اليوم الثالث .
اذ بعد ستة أيام من هذا الكلام وهذا الوعد نجد أنه :
(اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم.وتغيّرت هيئته قدامهم مر 9 : 2)
وواضح أن المسيح قال من القيام ههنا قومآ لا يذقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة ومجد وتجلي !! وهذا فعلآ ما حدث فهو كان يقصد يوحنا وبطرس ويعقوب لانهم بالفعل شاهدوا
بالعيان جانب من مجد المسيح الذى كان قد أخفاه بارادته عن عيون البشر لكى يتمم الخلاص.
وتأتى حادثة التجلى هذه بعد أعلان المسيح عن صليبه والامه وقبل حادثة الصليب العلانية فهى كانت ضرورية جدآ لكى تساعد التلاميذ على قبول شكل المسيا المتألم المهان بصورة
مظهرها الضعف الشديد وهذا ما يحدث غالبآ صدمة للعقل البشرى ! المحدود . وهكذا جاءت حادثة التجلى لكى تساعدهم فى قبول المسيا بصورة الحقيقية وليس بالصورة المزيفة التى نادى بها الكتبة والفريسيين
ولكى تظل حقيقة التجلى هذه هى الخلفية التى ينظرون بها الصليب وموت المسيح عليه .
(وتغيّرت هيئته قدامهم 3 وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا كالثلج لا يقدر قصّار على الارض ان يبيض مثل ذلك
مر 9 : 3)
الحقيقة العجيبة أن المسيح لم يتجلى لانه فى حالة تجلى مستمر ! لا يمكن أن تنتهى أو تتغير , ولكن الذى تجلى هو أعين التلاميذ _ تجلت لكى ترى مجد المسيح والذى قد أخفاه عن أعين البشر لفترة حتى يكمل الخلاص.
فهو الذى قال:
أن أمنت ترين مجد الله يو 11 : 40
فالذى يؤمن إيمان صادق من قلب مخلص لابد أن يرى مجد الله , ولقد أنطبعت صورة المسيح الممجد هذه فى ذاكرة وقلب هؤلاء التلاميذ , وكان لها أثر قوى فى حياتهم .
فربما هى التى حفظت القديس بطرس من السقوط فى اليأس عند أنكاره للمسيح وجعلته يشعر بحجم الخسارة الكبيرة وبالتالى يعود بسرعة ويتوب ويندم على أنكار المسيح , فظلت صورة المسيح الممجد
فى ذهنه وقلبه أنظر كلامه وأنطباعه وفخره :
(لاننا لم نتبع خرافات مصنعة اذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته. 17 لانه اخذ من الله الآب كرامة ومجدا اذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الاسنى هذا هو ابني الحبيب الذي انا سررت به. 18 ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء اذ كنا معه في الجبل المقدس.2بط 1 : 16 _ 18)
والقديس يوحنا الحبيب صاحب مناظر المجد والرؤيا السماوية كانت حادثة التجلي فى داخله العمر كله , وكانت هى القوة والدافع الى التعمق فى حب المسيح وبلوغ أعماق من الحب تتخطي كل معايير القياس العادية أنظر ما يقول :
(رأينا مجده مجآ كما لوحيد من الاب مملؤآ نعمة وحقآ يو 1 : 14)
كما دفعت صورة المسيح الممجد فى ذهن وقلب القديس يعقوب أن قبل الاستشهاد من أجل المسيح بفرح وسرور !
ولعل مفردات اللغة كانت قاصرة فى وصف شكل وهيئة المسيح فى التجلى , ولكن هذا أقصى ما يملك الانسان من تعبير وأظن أن اللغة باتت عاجزة عن وصف مجد المسيح الذى ظهر لعيون التلاميذ
على جبل التجلى المقدس.
(وظهر لهم أيليا مع موسى _ وكانا يتكلمان مع يسوع مر 9 : 4)
هنا قد تحققت الاشارة الهامة والعلامة التى نادى بها الكتبة والفريسيين , فلقد حددوا شرط ظهور المسيا بظهور أيليا واليوم قد ظهر أيليا ولكن فى صورة ممجده وسرية وأمام أعين ثلاث شهود كحد أقصى
لاعتماد الشهادة حسب الناموس !!!كذلك ظهر معهم موسي ليعلن أمام المسيا أن ناموسه عاجزآ عن أنقاذ حياة الانسان من الموت والهلاك .
ففى هذا اليوم بطل وانتهى الناموس اذ سلمه موسى ليسوع المسيح ليكمله ويصنع ما كان عاجز عن صنعه الناموس , ولما رأى القديس بطرس هذه الرؤية العجيبة والتى كان يترقبها كل العالم القديم
وهو ظهور أيليا كعلامة لظهور المسيا صرخ على الفور وقال :
"جيد أن نكون ههنا , فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموس واحدة ولايليا واحدة " مر 9 : 5
الرؤية أخذت قلب القديس بطرس _ شعر بالنشوة الروحية _ فالناموس والانبياء أجتمعوا معآ ..فالانبياء فى شخص أيليا النبي والناموس فى شخص موسي ! وها هما مع المسيا يسوع المسيح يسلموا له كل شيئ . حيث أن الانبياء والناموس كلهم كانوا لكى يصلوا الى ظهور المسيا .
وها هو المسيا ظهر فى مجده العجيب والذى خطف قلب وروح القديسيين بطرس ويوحنا ويعقوب وربما الذى تكلم فقط هو القديس بطرس أما القديسين يعقوب ويوحنا أظن أنهما , أكتفوا بالتسبيح والشكر مقابل هذه الرؤية العجيبة .
فما كان من القديس بطرس الا قال لنصنع ثلاث مظال وهى خيمة ويقصد بها خيمة للعبادة حسب طقس اليهود والناموس !!
ولكن عبادة المظال وطقوس الناموس قد أنتهت تمامآ بظهور المسيا , والذى نقل الانسان الى العبادة بالروح والحق ولذلك اسرعت الطبيعة لترد على القديس بطرس !!
فجاءت سحابة وظللتهم وهذا "
" لانه لم يكن يعلم ما يتكلم به اذ كانوا مرتعبين " مر 9 : 6
فكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلآ هذا هو ابنى الحبيب له اسمعوا : مر9 : 7
هنا قمة الاستعلان الالهى لشخصية المسيا وأظهار الرفعة والارتقاء فى العلاقة مع الله التى صارت بظهور مسيا الدهور , فها هو موسي حاضر وها هو الله الاب من السحابة والتى تعبر فى مفردات لغة
الانسان بالحضرة الالهية , وهو يقول نفس ذات الكلام الذى قاله على لسان موسي فى القديم وتحقق حالآ بالعيان أما عيون التلاميذ ففى القديم قال :
(اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به 19 ويكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه.تث 18 : 18 _ 19)
ولهذا جاء صوت الله الاب يعلن تحقق هذه النبؤة العجيبة وفى حضور موسى , ويؤكد على السماع له لانه هو الذى يعلن عن الله بالحق . وعلى هذا وبظهور المسيا واستعلانه بهذه الصورة الواضحة , وبعد ظهور أيليا وبعد تحقيق نبؤة موسى أنتهت الاحداث كلها والناموس كله كما أنتهى القصد من التجلى ولهذا :
" نظروا حولهم بغتة ولم يروا أحد غير يسوع وحده معهم " مر 9 : 8
نعم لم يعد الان غير يسوع انتهت نبؤات جميع الانبياء بظهور يسوع , وانتهى ناموس موسى بكل التشريعات والطقوس بظهور يسوع , لم يعد الان غير يسوع وحده هو الذى يعلن عن الله بالحق .
هو وحده فقط كل من ينظر اليه يخلصه ويهبه الحياة , كل من يرفع نظرة يجده وحده واقف يطلبه ويفتح له الاحضان.
هو هو محور كل التاريخ ومنقذ حياة الانسان من الموت والفساد , كل من يتعلق به وبشخصه لابد أن ينجيه وينقذه ويعطيه حياة أبدية . ولكن من يعود للخلف ويتعلق مرة أخرى بمظاهر العبادة أو ناموس موس فى العبادة ويتجاهل ظهور المسيا المخلص قطعآ سوف يتوه ومستحيل يرى الحياة .
لان موسى نفسه لم يستطيع أن يدخل أرض الموعد ولكن نظرها من بعيد !! أما من هم صاروا فى المسيح والمسيح فيهم لابد أن يتذوقوا طعم الحياة وقوات الدهر الاتى ,لانه هو هو وحده الطريق والحق والحياة .